فصل: مناسبة الآية لما قبلها:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (13):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان محط نظرهم الدنيا، وكان هذا صريحًا في الإمهال للظالمين والإحسان إلى المجرمين، أتبعه بقوله تعالى مهددًا لهم رادعًا عما هم فيه من اتباع الزينة مؤكدًا لأنهم ينكرون أن هلاكهم لأجل ظلمهم: {ولقد أهلكنا} أي بما لنا من العظمة {القرون} أي على ما لهم من الشدة والقوة؛ ولما كان المهلكون هلاك العذاب المستأصل بعض من تقدم، أثبت الجار فقال: {من قبلكم لما ظلموا} أي تكامل ظلمهم إهلاكًا عم آخرهم وأولهم كنفس واحدة دفعًا لتوهم أنه سبحانه لا يعم بالهلاك، وقال تعالى عطفًا على {أهلكنا}: {وجاءتهم رسلهم} أي إلى كل أمة رسولها {بالبينات} أي التي بينت بمثلها الرسالة {وما} أي والحال أنهم ما {كانوا} أي بجبلاتهم، وأكد النفي بمن ينكر أن يتأخر إيمانهم عن البيان فقال: {ليؤمنوا} ولو جاءتهم كل آية، تنبيهًا لمن قد يطلب أنه سبحانه يريهم بوادر العذاب أو ما اقترحوه من الآيات ليؤمنوا، فبين سبحانه أن ذلك لا يكون سببًا لإيمان من قضى بكفره، بل يستوي في التكذيب حاله قبل مجيء الآيات وبعدها ليكون سببًا لهلاكه.
فكأنه قيل: هل يختص ذلك بالأمم الماضية؟ فقيل: بل {كذلك} أي مثل ذلك الجزاء العظيم {نجزي القوم} أي الذين لهم قوة على محاولة ما يريدونه {المجرمين} لأن السبب هو العراقة الإجرام وهو قطع ما ينبغي وصله، فحيث ما وجد جزاؤه؛ والإهلاك: الإيقاع فيما لا يتخلص منه من العذاب؛ والقرن: أهل العصر لمقارنة بعضهم لبعض. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}
في الآية مسائل:
المسألة الأولى: في بيان كيفية النظم:
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم كانوا يقولون: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مّنَ السماء أَوِ ائتنا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] ثم إنه أجاب عنه بأن ذكر أنه لا صلاح في إجابة دعائهم، ثم بين أنهم كاذبون في هذا الطلب لأنه لو نزلت بهم آفة أخذوا في التضرع إلى الله تعالى في إزالتها والكشف لها، بين في هذه الآية ما يجري مجرى التهديد، وهو أنه تعالى قد ينزل بهم عذاب الاستئصال ولا يزيله عنهم، والغرض منه أن يكون ذلك رادعًا لهم عن قولهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء، لأنهم متى سمعوا أن الله تعالى قد يجيب دعاءهم وينزل عليهم عذاب الاستئصال، ثم سمعوا من اليهود والنصارى أن ذلك قد وقع مرارًا كثيرة.
صار ذلك رادعًا لهم وزاجرًا عن ذكر ذلك الكلام، فهذا وجه حسن مقبول في كيفية النظم.
المسألة الثانية:
قال صاحب الكشاف {لَّمًّا} ظرف لأهلكنا، والواو في قوله: {وَجَاءتْهُمْ} للحال، أي ظلموا بالتكذيب.
وقد جاءتهم رسلهم بالدلائل والشواهد على صدقهم وهي المعجزات، وقوله: {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} يجوز أن يكون عطفًا على ظلموا، وأن يكون اعتراضًا، واللام لتأكيد النفي، وأن الله قد علم منهم أنهم يصرون على الكفر وهذا يدل على أنه تعالى إنما أهلكهم لأجل تكذيبهم الرسل، فكذلك يجزى كل مجرم، وهو وعيد لأهل مكة على تكذيبهم رسول الله، وقرئ {يَجْزِى} بالياء. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} يعني: أهلكناهم بالعذاب لما كذبوا الرسل وأقاموا على كفرهم، خوَّف أهل مكة بمثل عذاب الأمم الخالية لكيلا يكذبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم.
{وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات}، يعني: بالآيات بالأمر والنهي.
{وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ}، لم يصدقوا الرسل ولم يرغبوا في الإيمان؛ ويقال: وما كانوا ليصدقوا بنزول العذاب بما كذبوا من قبل يوم الميثاق.
{كذلك نَجْزِى}، يعني: نعاقب {القوم المجرمين}، أي الكافرين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ} يعني الأمم الماضية.
قال ابن عباس: بين القرنين ثمان وعشرون سنة.
{لَمَّا ظَلَمُواْ} أشركوا {وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كذلك} أي كما أهلكناهم بكفرهم وتكذيبهم رسلهم {نَجْزِي} نهلك {القوم المجرمين} المشركين تكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم يخوّف كفّار مكة عذاب الأمم الخالية المكذبة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا}
هذه الآية وعيد للكفار وضرب أمثال لهم، أي كما فعل هؤلاء فعلكم فكذلك يفعل بكم ما فعل بهم، وقوله، {وما كانوا ليؤمنوا} إخبار عن قسوة قلوبهم وشدّة كفرهم، وقرأ جمهور السبعة وغيرهم: {نجزي} بنون الجماعة، وفرقة {يجزي} بالياء على معنى يجزي الله. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم}
قال مقاتل: هذا تخويف لكفار مكة.
والظلم هاهنا بمعنى الشرك.
وفي قوله: {وما كانوا ليؤمنوا} قولان: أحدهما: أنه عائد على أهل مكة، قاله مقاتل.
والثاني: على القرون المتقدمة، قاله أبو سليمان.
قال ابن الأنباري: ألزمهم الله ترك الإِيمان لمعاندتهم الحق وإِيثارهم الباطل.
وقال الزجاج: جائز أن يكون جعل جزاءهم الطبع على قلوبهم، وجائز أن يكون أعلم ما قد علم منهم.
قوله تعالى: {كذلك نجزي} أي: نعاقب ونهلك {القوم المجرمين} يعني المشركين من قومك. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُواْ} يعني الأمم الماضية من قبل أهل مكة أهلكناهم.
{لَمَّا ظَلَمُواْ} أي كفروا وأشركوا.
{وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} أي بالمعجزات الواضحات والبراهين النيرات.
{وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} أي أهلكناهم لعلمنا أنهم لا يؤمنون.
يخوف كفار مكة عذاب الأمم الماضية؛ أي نحن قادرون على إهلاك هؤلاء بتكذيبهم محمدًا صلى الله عليه وسلم، ولكن نمهلهم لعلمنا بأن فيهم من يؤمن، أو يخرج من أصلابهم من يؤمن.
وهذه الآية تردّ على أهل الضلال القائلين بخلق الهدى والإيمان.
وقيل: معنى {ما كانوا ليؤمنوا} أي جازاهم على كفرهم بأن طبع على قلوبهم؛ ويدلّ على هذا أنه قال: {كذلك نَجْزِي القوم المجرمين}. اهـ.

.قال الخازن:

قوله سبحانه وتعال: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم} يعني أهلكنا الأمم الماضية من قبلكم يخوف بذلك كفارة مكة {لما ظلموا} يعني لما أشركوا {وجاءتهم رسلهم بالبينات} يعني فكذبوهم {وما كانوا ليؤمنوا} يعني: هذه الأمم برسلهم ويصدقوهم بما جاؤوا به من عند الله: {كذلك نجزي القوم المجرمين} يعني: كما أهلكنا الأمم الخالية لما كذبوا رسلهم كذلك نهلككم أيها المشركون بتكذيبكم محمدًا صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون} أي القرونَ الخاليةَ مثلَ قومِ نوحٍ وعادٍ وأضرابِهم و(من) في قوله تعالى: {مِن قَبْلِكُمْ} متعلقةٌ بأهلكنا أي أهلكناهم من قبل زمانِكم والخطابُ لأهل مكةَ على طريقة الالتفاتِ للمبالغة في تشديد التهديدِ بعد تأييدِه بالتوكيد القسمي {لَمَّا ظَلَمُواْ} ظرفٌ للإهلاك أي أهلكناهم حين فعلوا الظلمَ بالتكذيب والتمادي في الغي والضلالِ من غير تأخير، وقوله تعالى: {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} حالٌ من ضمير ظلموا بإضمار قد، وقوله تعالى: {بالبينات} متعلقٌ بجاءتهم على أن الباءَ للتعدية أو بمحذوف وقع حالًا من رسلهم، دالةٌ على إفراطهم في الظلم وتناهيهم في المكابرة، أي ظلموا بالتكذيب وقد جائتهم رسلُهم بالآيات البينةِ الدالةِ على صدقهم أو ملتبسين بها حين لا مجالَ للتكذيب، وقد جُوِّز أن يكون قوله تعالى: {وَجَاءتْهُمْ} عطفًا على ظلموا فلا محلَّ له من الإعراب عند سيبويه، وعند غيره محلُّه الجرُّ لأنه معطوفٌ على ما هو مجرورٌ بإضافة الظرفِ إليه، وليس الظلمُ منحصرًا في التكذيب حتى يُحتاج إلى الاعتذار بأن الترتيبَ للذكرى لا يجب كونُه على وفق الترتيبِ الوقوعيّ كما في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ} الخ، بل هو محمولٌ على سائر أنواعِ الظلم والتكذيبُ مستفادٌ من قوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} على أبلغ وجهٍ وآكده فإن اللامَ لتأكيد النفي أي وما صح وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادِهم وخذلانِ الله تعالى إياهم لعلمه بأن الألطافَ لا تنجع فيهم، والجملةُ على الأول عطفٌ على ظلموا لأنه إخبارٌ بإحداث التكذيب، وهذا بالإصرار عليه، وعلى الثاني عطفٌ على ما عطف عليه، وقيل: اعتراضٌ بين الفعلِ وما يجري مَجرى مصدرِه التشبيهيِّ أعني قوله تعالى: {كذلك} فإن الجزاءَ المشارَ إليه عبارةٌ عن مصدره أي مثلَ ذلك الجزاءِ الفظيعِ أي الإهلاكِ الشديدِ الذي هو الاستئصالُ بالمرة {نَجْزِي القوم المجرمين} أي كلَّ طائفةٍ مجرمة، وفيه وعيدٌ شديدٌ وتهديدٌ أكيدٌ لأهل مكةَ لاشتراكهم لأولئك المهلَكين في الجرائم والجرائر التي هي تكذيبُ الرسولِ والإصرارُ عليه وتقريرٌ لمضمون ما سبق من قوله تعالى: {وَلَوْ يُعَجّلُ الله لِلنَّاسِ الشر استعجالهم بالخير} وقرئ بالياء على الالتفات إلى الغَيبة وقد جُوِّز أن يكون المرادُ بالقوم المجرمين أهلَ مكةَ على طريقة وضع الظاهرِ موضعَ ضميرِ الخطابِ إيذانًا بأنهم أعلامٌ في الإجرام ويأباه كلَّ الإباء. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ} مثل قوم نوح وعاد وثمود، وهو جمع قرن بفتح القاف أهل كل زمان مأخوذ من الاقتران كأن أهل ذلك الزمان اقترنوا في أعمالهم وأحوالهم، وقيل: القرن أربعون سنة وقيل: ثمانون وقيل مائة وقيل هو مطلق الزمان، والمراد هنا المعنى الأول وكذا في قوله صلى الله عليه وسلم: «خير القرون قرني ثم الذين يلونهم» وقوله:
إذا ذهب القرن الذي أنت فيهم ** وخلفت في قرن فأنت غريب

{مِن قَبْلِكُمْ} أي من قبل زمانكم، والخطاب لأهل مكة على طريقة الالتفات للمبالغة في تشديد التهديد بعد تأييده بالتوكيد القسمي، والجار والمجرور متعلق بأهلكنا، ومنع أبو البقاء كونه حالا من القرون {لَمَّا ظَلَمُواْ} أي حين فعلوا الظلم بالتكذيب والتمادي في الغي والضلال، والظرف متعلق بأهلكنا وجعل لما شرطية بتقدير جواب هو أهلكناهم بقرينة ما قبله تكلف لا حاجة إليه وقوله سبحانه: {وَجَاءتْهُمْ رُسُلُهُم} حال من ضمير {ظَلَمُواْ} باضمار قد وقوله تعالى: {بالبينات} متعلق بجاءتهم على أن الباء للتعدية أو بمحذوف وقع حال من {رُسُلُهُمْ} دالة على إفراطهم في الظلم وتناهيهم في المكابرة أي ظلموا بالتكذيب وقد جاءتهم رسلهم بالآيات البينة الدالة على صدقهم أو متلبسين بها حين لا مجال للتكذيب، وجوز أبو البقاء وغيره عطفه على {ظَلَمُواْ} فلا محل له من الإعراب أو محله الجر وذلك عند من يرى إضافة الظرف إلى المعطوف عليه، والترتيب الذكرى لا يجب أن يكون حسب الترتيب الوقوعي كما في قوله تعالى: {وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى العرش وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَا} [يوسف: 100] ولا حاجة إلى هذا الاعتذار بناء على أن الظلم ليس منحصرًا في التكذيب بل هو محمول على سائر أنواع الظلم، والتكذيب مستفاد من قوله تعالى: {وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} على أبلغ وجه وآكده لأن اللام لتؤكيد النفي.
وهذه الجملة على الأول عطف على {ظَلَمُواْ} وليس من العطف التفسيري في شيء على ما قاله صاحب الكشف خلافًا للطيبي لأن الأولى أخبار باحداق التكذيب وهذه أخبار بالإصرار عليه، وعلى الثاني عطف على ما عطف عليه، وقيل: اعتراض للتأكيد بين الفعل وما يجري مجرى مصدره التشبيهي أعني قوله سبحانه: {كذلك} فإن الجزاء المشار إليه عبارة عن مصدره أي مثل ذلك الجزاء الفظيع أي الاهلاك الشديد الذي هو الاستئصال بالمرة {نَجْزِي القوم المجرمين} أي كل طائفة مجرمة فيشمل القرون، وجعل ذلك عبارة عنهم غير مناسب للسياق.
وقرئ {يَجْزِى} بياء الغيبة التفاتًا من التكلم في {أَهْلَكْنَا} إليها.
وحاصل المعنى على تقدير العطف أن السبب في إهلاكهم تكذيبهم الرسل وأنهم ما صح وما استقام لهم أن يؤمنوا لفساد استعدادهم وخذلان الله تعالى إياهم، ويقتصر على الأمر الأول في بيان الحاصل على تقدير الاعتراض، وذكر الزمخشري بدل الأمر الثاني علم الله تعالى أنه لا فائدة في إمهالهم بعد أن ألزموا الحجة ببعثة الرسل عليهم السلام وجعل بيانًا على التقديرين وفيه ما يحتاج إلى الكشف فتدبره.
وتعليل عدم الإيمان بالخذلان ونحوه ظاهر، وكلام القاضي صريح في تعليله أيضًا بعلم الله تعالى أنهم يموتون على الكفر.